حديث الصباح والمساء.. عشرون عاما فى مغارة الحكايات المسحورة
حديث الصباح والمساء..
عشرون عاما فى مغارة الحكايات المسحورة
علياء أسامة أيوب
عشرون عاما مرت
على العرض الأول للمسلسل الأسطورى.. "حديث الصباح والمساء" حين فتح لنا
يزيد المصرى بوابة مغارة الحكايات فدخلنا مسحورين خلف النقشبندي الحفيد الذى فتح
كتاب عائلته يقرأ حكاياتها حرفا حرفا وحكاية بعد حكاية ونحن معه نشاهد ونستمتع
ونتوحد مع شخصيات يختلط داخلها الخير والشر والطين والروح فصارت بشرا بين الملائكة
والشياطين
وتماما كمغارة
على بابا وكنوزها التى لا تنضب كانت مغارة "حديث الصباح والمساء" عالم
غنى بتفاصيل نكتشفها فى كل مرة نتابعه وبدلا من أن ننادى سمسم العفريت ليفتح لنا
البوابة كانت أنغام تفتح لنا بالجملة الخالدة: "مين فينا جاى مرساها مين رايح
لحظة ميلاد الفرح كان فيه حبيب رايح".. الجملة السر أو خلاصة الدنيا وعبثها
الدائر بين كلمتين حياة وموت أو.. صباح ومساء.
الحياة بين صباح البداية ومساء النهاية الحتمية
والبداية كانت
عند اديب نوبل نجيب محفوظ صاحب الروايات المقروءة دائما على أكثر من مستوى من العمق والفكر وفى وقت تبدو فيه
حديث الصباح والمساء وكأنها رصد للحياة في مصر من بداية القرن التاسع عشر وحتى
سبعينيات القرن العشرين من كل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والدينية من خلال حكايات أبنائها على
اختلاف طبقاتهم الا أن الرواية وعلى مستوى آخر تطرح بشكل فلسفى غير مباشر فكرة
الحياة التى هى فى حقيقتها مجرد يوم أو بعض يوم فالفترة بين الميلاد والموت طالت
أو قصرت هى مجرد دورة حول النفس تماما كدورة الارض وأنه بمجرد أن تتسلل شمس الصباح
يبدأ العد التنازلي فى انتظار المساء.
ورغم قناعتنا
جميعا بدورة الحياة السريعة وحتمية الموت إلا اننا نتجاهل حقيقة عبثية الدنيا وصراعاتها
وأننا مجرد أسطر فى كتاب ضخم يشبه كتاب النقشبندي حيث تترتب الشخصيات بشكل أبجدى
تتداخل فيه أزمنة الأحداث تماما مثلما ما كتب نجيب محفوظ فى الرواية الأصلية التى
تعد نموذجا فريدا ومختلفا ومربكا للقارئ فى الوقت نفسه.
محسن زايد تفكيك الرواية وإعادة البناء
ومن رواية نجيب
محفوظ التى وصفها أديب نوبل ب"نصف متر قماش" غزل السيناريست محسن زايد
عباءة مصرية أصيلة مطرزة بخيوط من السحر واللمسات الرومانسية نقلت الحكاية من
واقعيتها الشديدة لعوالم تشبه فى جاذبيتها ألف ليلة وليلة مع الاحتفاظ بالإطار
الأصلي الذى تتحرك فيه الشخصيات.
فكك محسن زايد الرواية
ورسم شجرة العائلة الضخمة التى بناها نجيب محفوظ من نسل أربعة أصدقاء هم يزيد
المصرى وعطا المراكيبى والشيخ القليوبي والطرابيشى.
وإذا كنت أعد
نفسى واحدة من عشاق نجيب محفوظ وأدبه إلا أن قراءتى المتعثرة للرواية على صورتها
الصعبة جعلتنى أنحاز لمحسن زايد وللمسارات
التى بناها للشخصيات والتى كانت أكثر وضوحا فى المسلسل وفى بعض الأحيان أكثر
رومانسية. فمثلا هدى الألوسي لم تكن على غناها أميرة وزواجها من عطا كان أكثر
عملية من قصة الحب المستحيلة التى تابعناها فى المسلسل. وجليلة الطرابيشية لم تكن
بنفس نفوذها على الشخصيات ودنانير اختارت العمل ليس بدافع من إيمانها بقضية المرأة
لكن للإنفاق على والدتها بعد وفاة والدها ولم تعجب بعامر ابن خالها عمرو لتوافق
فكرى بينهما إنما ارتبطت بلبيب ابن خالها سرور لفترة فى حين عامر تزوج بشكل
انتهازي عفت بنت عبدالعظيم داود وحامد بنفس المنطق تزوج شاكيرا بنت محمود
المراكيبى وزوج سميرة كان تاجرا للانتيكات لكنه لم يكن يعانى من علة فلم يكن (أبو الروس).
الصدمة التى
انتابتنى من الاختلاف في الأحداث دفعتنى لتأمل المسلسل من جديد والاستمتاع بتفاصيل
الشخصيات والجمل الحوارية الخالدة التى كتبها محسن زايد وفى رأيى هى الرابط بيننا
وبين المسلسل وهى سر تعلقنا بيه واستمرار حالة الشغف رغم السنين والتى زادها تركيز
محسن زايد على الجانب الروحاني للشخصيات سواء الرؤى أو الجانب الصوفى المتعلق
بالشيخ نجم الدين أو مشاهد البرزخ فى بداية الحلقات واللقاء بين الأرواح.
أحمد صقر مخرج الكلاسيكيات المبدع
ومن محسن زايد
لأحمد صقر المخرج المتميز الذي أشعر دائما
بتعرضه للظلم إعلاميا فلم يتلق الحفاوة التى تتناسب مع اسمه وتوقيعه على مجموعة من
كلاسيكيات الدراما التليفزيونية المرتبط بها جيلى مثل أوبرا عايدة ومن الذى لا يحب
فاطمة وهوانم جاردن سيتي واللص الذى أحبه و أميرة فى عابدين وطبعا حديث الصباح
والمساء.
بصمة أحمد صقر
كانت واضحة جدا فى كل مشهد من المسلسل وفى اختيار وإدارة العدد الكبير من الممثلين
سواء النجوم الكبار أو الوجوه الجديدة الذين اصبحوا حاليا نجوم لهم ثقلهم لكن يظل
حديث الصباح والمساء علامة فارقة في تاريخ كل الفنانين المشاركين فيه. أيضا حافظ أحمد صقر على الإيقاع السريع للأحداث
مع الاهتمام بأدق التفاصيل خاصة فى الأزياء والماكياج والديكورات التى نقلتنا لزمن
الحكاية وللعوالم للموازية فى مشاهد ما قبل الحلقات (الافان تيتر) ومشاهد الرؤى
والأحلام.
ولأن العمل
الخالد دائما ما يكون رائعا فى كل تفاصيله تبقى أغنية التتر سر من أسرار عشقنا
لحديث الصباح والمساء مع كلمات فؤاد حجاج التى اختزلت الحكاية وعبرت عن فلسفتها
بصدق ورقى وشاعرية زادت من بريقها موسيقى العظيم عمار الشريعي وصوت أنغام لينجح
ثلاثى الإبداع في خلق حالة فريدة من الجمال والشجن المتجدد مع كل مرة نستمع
ونستمتع فيها بالأغنية.
اقرأ المزيد
تعليقات
إرسال تعليق