قراءة في شخصيات حديث الصباح والمساء
قراءة فى شخصيات حديث الصباح والمساء
كتبت: علياء أسامة أيوب
ماسكة فى ديل جلابيتك يا "جليلة"
رغم
أنه جليلة الطرابيشية ليست الشخصية الأولى فى الترتيب الأبجدي ولا حتى الترتيب
العمرى إلا أنها حجر الزاوية فى المسلسل والشخصية المحورية التى تربط كل الشخصيات
حتى لو بطريقة غير مباشرة لكن الجميع طوال الأحداث "ماسك فى ديل
جلابيتها".
من أول مشاهدها
نرى شخصية جليلة القوية المشغولة طوال الوقت بالغيبيات والأعمال وقراءة الفنجان
وعلاقتها بعالم الجن وهو ما منح الشخصية هيبة معينة أجبرت الجميع على احترامها
والخوف منها واللجوء لها فى مواقف كثيرة وفى الوقت نفسه كلمتها مسموعة لا ترد على
مدار الأجيال الكثيرة التى عاصرتها جليلة فهى الشخصية الوحيدة المستمرة من الحلقة
الأولى الأخيرة.
تركيبة جليلة
صنعت منها شخصية درامية مميزة قدمت لمحسن زايد فرصة لخلق مشاهد قوية مؤثرة تجمع
بين الحزن وخفة الدم مشاهد محفورة فى روحنا قبل عقلنا وتبقى جليلة هى البطلة
الحقيقية وتنافس باقى الشخصيات على الخلود.
وكان من الطبيعى
أن تنعكس قوة وتحكم جليلة على شكل علاقاتها بباقى الشخصيات وأولهم زوجها الشيخ
معاوية العالم الأزهرى الرافض لكل سلوكياتها التى يعتبرها خرافات ومع ذلك كان
الرابط بينهم كبيرا وكانت جليلة سنده فى محنته واعتقاله ليس فقط لأنها زوجة أصيلة
لكن لأنها محبة ظلت وفية لذكراه ولكل ما يرتبط بسيرته التى خلدتها باعتباره بطل
وطنى حارب الإنجليز مع احمد عرابى.
اما نعمة صديقة
عمرها فكانت علاقة متينة لا تخلو من احتياج نعمة وإيمانها المطلق بقدرات صديقتها
ولا من صراحة جليلة الفظة أحيانا.
أيضا علاقتها بأزواج
بناتها وخوفهم منها وسعيهم لاسترضائها أما
فاكهة المسلسل فكانت علاقتها بابنها بليغ الذى اختار لنفسه طريقا مختلفا تماما عن
رغباتها فظلت مشاكساتهم من أجمل مشاهد
المسلسل.
وطبعا شخصية
بصعوبة وثراء وجمال جليلة لم يكن ليقدمها إلا الجميلة عبلة كامل التى تمكنت من
تقمص الشخصية ببساطة وتتبدل معها وعلى مدار عمر طويل عاشته جليلة وترك بصماته
عليها.. تتبدل بين القوة والضعف والحزن والفرح وبين عالمها المادى وعالمها الروحى
والغيبى ويصنف كل مشهد ليها وبفضل لمسات محسن زايد فى السيناريو والحوار
ك"ماستر سيين" حسب لغة الدراما.
يا عشرتى الطيبة يا.. "نعمة"
ولأنهم من
البداية الصديقتين الأقرب فلا يمكن أن نتحدث عن جليلة دون أن نتحدث عن نعمة
وعشرتها الطيبة مع الكل رغم المحن التى توالت عليها منذ طفولتها حين خطف ارفيق
براءتها داوود الذى ظل حلما لم يتحقق وذكرى ناعمة لعمرها الذى ولى.. ودون أن
تتجاوز يوما أى خط أحمر ظل داوود .. ابن عمرها.
غاب داوود وماتت
الأم وهجرها الأب لدنياه الجديدة وظلت نعمة طوال الأحداث الست المصرية الأصيلة
القريبة لقلوبنا وكأنها واحدة من قريباتنا.
نعمة..
الزوجة والأم اللى تكافح وتدبر وتعاند الدنيا من أجل استمرار أسرتها ودعم أبنائها
دون أن تتخلى يوما عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها. فتخطب لداوود وتساعد زوجته لاستمرار حياتهم..
تصل أبوها واخوتها.. تساند جليلة في محنتها وتخاصمها وتصالحها وتظل لآخر العمر
"ماسكة فى جلابيتها" حتى وهى مرعوبة من أعمالها.
نعمة أيضا كانت
عصبية منحازة لما تعتقد أنه الحق فتذكر داوود فى عز فرحته بالباشاوية بحق ابوه
وامه وتواجهه حين تاه وتؤنسه حين عاد لأصوله فى نهاية العمر وتصون أمانته ووصيته
بعد موته..... تسكت على حرمان ابوها لها لكنها تعاتب زوجته بعد موته تطالبها بما
تظن أنه حقها وميراثها وترفض بكرامة أن تقبل الصدقة.
ولأنه الجميلة
الراحلة دلال عبد العزيز تشبه أمهاتنا وجداتنا كانت هى الوحيدة القادرة على تقديم
شخصية نعمة ليبقى الدور الأجمل والأصدق من بين أدوارها المتنوعة العظيمة وليختفى
فى لحظات كثيرة الخط الفاصل بين الشخصيتين فدلال هى نعمة ونعمة هى دلال والاثنتان
.. عشرتنا الطيبة.
جينا الدنيا ليه يا.. "عزيز"
رغم أن السؤال
"جينا الدنيا ليه" طرحه داوود على أخيه فى مرحلة متقدمة من عمرهما إلا
أن إجابة عزيز عكست فلسفته فى الحياة التى عاشها ببساطة لقناعته أنه "كل حى
جى يشهد المكتوب له فى اللوح المحفوظ ويتوكل".
عزيز فى رأيي من
أجمل شخصيات المسلسل ببساطته ورضاه وتقبله لظروفه ورغبته فى الاستمتاع بالحياة حسب
قدراته وإمكاناته دون أن يشغل نفسه بصراعات أو طمع أو حقد فكل ما يتمناه أن يحيا
مستورا دون أن يتطلع لما امتلكه والد زوجته أو ما وصل إليه أخوه على العكس فرح مع
عودة داوود من السفر وهلل فى قلب الحارة "أخويا بقى باشا" ورقص بزهو فى
سرايا داوود الجديدة. وحين تاه أخوه حزن
عزيز وانتظر كطفل عودته وجلساتهم سويا على القهوة وضحك من قلبه حين سأله داوود فى
لحظة جنون "كان يجرى إيه لو أنت اللى اتخطفت زمان؟".
حتى حين اختار
لابنته اسم رشوانة على اسم صاحب الوكالة واختار زوجها الكبير فى السن كان جزءا من
فلسفته فى التعامل مع الحياة وتجنب شرها ومع ذلك آمن عزيز بقضية بلده ربما كانت
قضيته الوحيدة حين هتف بحرقة ضد الإنجليز وبخسارتها أفلت يده تماما وتوقف عن
التعلق بشئ.
وعلى بساطته
وخفته جاءت نهايته بسيطة بضحكة حلوة ويقين أن الدنيا "آخر مسخرة".
عزيز الشخصية
البسيطة المليئة بالمشاعر كانت بحاجة لممثل من العيار الثقيل ممثل حقيقى وصادق
وقريب من القلب تماما كتوفيق عبدالحميد فكان سببا إضافيا لنحب عزيز المصرى ونتعلق
به وبإجابته الوافية على السؤال الوجودى.. احنا جينا الدنيا ليه؟!
"داوود".. المسافر
السفر قدرى
ومشوارى .. من يوم ما وعيت عالدنيا مبطلتش سفر عمرى ما عرفت انا مسافر ليه ولا
رايح فين ولا جاى امتى.. مسافر وسط ناسى لاعرفتهم ولا عرفونى.
كانت هذه هى
الكلمات الأخيرة لداوود المصرى قبل أن يصل محطته ويغادر قطار الحياة عله يجد راحته
أخيرا من عناء سفر طويل لم يكن خياره إنما .. قدره ومشواره.
كتب
ومقالات عديدة يشرح فيها علماء النفس والاجتماع باستفاضة عن أزمات الهوية
والاغتراب وفى عبارات قصيرة ومشاهد قليلة يختزل نجيب محفوظ ومن بعده محسن زايد
الأزمة بإبداعهما فى رسم شخصية مثيرة محيرة تلخص بسلوكياتها وحوارها البسيط على
عمقه حجم الأزمة التى يعانيها إنسان يحيا غريبا عن نفسه وعن محيطه.
داوود المصرى..
لا تعرف هل تحبه أم تكرهه لكن الأكيد أنك ستتعاطف معه.. مع الطفل الصغير الذى
اختطف من أهله بأمر الوالى محمد علي ضمن خطته للنهوض بالمحروسة من خلال التعليم..
وتتعاطف مع الشاب الذى عاد فجأة لأهله أيام قليلة قبل سفره الطويل لدراسة الطب فى
فرنسا.
ويعود الطبيب
داوود من عاصمة النور لحارة مصرية صغيرة ومن عائلته البسيطة لزيجة راقية ويمر
العمر وداوود يتأرجح بين الشرق والغرب بين الحارة والقصر بين العلم والجهل بين
المادة والروح دون أن ترجح كفة أو تعرف روحه الراحة.
يمر العمر
ويتمرد داوود ويثور على زوجته سنية هانم فيحب الجارية البسيطة ثم يجرفه الحنين
لحلم قديم ظن أنه راحته.. هدى هانم الالوسى حتما ستقبله كما قبلت يوما عمه
المراكيبى وحينها فقط تتصالح الأضداد داخله لكن الهانم ترفضه فيعود داوود للحيرة
والتيه ويسأل: احنا جينا الدنيا ليه؟ ومع اقترابه من نهاية ضاقت فيها كل السبل عاد
داوود لأصوله القديمة فرصته الأخيرة فى راحة كالسراب ليصل محطته الأخيرة وهو كما
هو غريب عن ناسه لا عرفهم ولا عرفوه.
وعلى قدر صعوبة
وتعقيد داوود المصرى بتفاصيله المثيرة الغريبة كانت موهبة وذكاء وتألق وإبداع خالد
النبوى الذى صنع شخصية خالدة مازالت حتى اللحظة مثيرة للجدل والحيرة والتعاطف
لكننا فى الوقت ذاته نحبه.. نحب داوود المصرى... المسافر.
الأميرة والمراكيبى
هى أميرة من
سكان كتب الحواديت فتحت باب قصرها اختارت مراكيبى بسيط وحولته لبطل لحكايتها
الخاصة التى تشبه الحلم ولو "الحلم للفقير ونس" كما قال عطا فحلم هدى
هانم الالوسى كان حياة حقيقية صدقتها وعاشتها بكل حواسها.
ولان الحكاية لو
قدمت كما كتبها نجيب محفوظ ربما كانت مستهجنة لا تجذب مشاهدا يبحث فى قنوات
التليفزيون عما يتابعه لذا رسم محسن زايد حكاية تتجاوز حدود زواج عملي بين أرملة
غنية ومراكيبى فقير فتصبح هدى ست الحسن والجمال أو أميرة من أميرات الف ليلة وليلة
التى عشقت الشاطر حسن وحولته للفارس عطا.. المراكيبى سابقا.
وظل عطا الحبيب
والفارس الذى يستحق أنه تمنحه كل شئ أو هى الصورة التى اختارتها هدى لزوجها الذى
نجح أن يكون عليها جزئيا لكن ظل للمراكيبى وجه آخر وجه تاجر مادى يقدس القرش ويتعامل بنفعية وتسلط
وهو الوجه الذى عرفته جيدا باقى الشخصيات فتقول نعمة "كان شد بنته
الاول".. وتوصفه جليلة بأنه "يموت في التلزيق" ويقول صاحبه القديم
وزوج حفيدته "أصل اللى يعرفه ميقلعوش من رجله" ويقول ابنه أنه كان قاسيا
مع الفلاحين حتى لو انكرت هدى التى لا تؤمن إلا بعطا الفارس الذى عاملها دائما على
أنها ...أميرة الستات وست الاميرات.
ورغم بعض
الانتقادات لأدائها الذى اعتبره البعض مبالغا
إلا أن ليلى علوي كانت الأنسب لدور
الأميرة الحالمة التى تعلقت بالمراكيبى البسيط وغامرت بكل شئ لتتزوجه ونجحت
فى بناء حياة جديدة ناجحة معه استوعبت فيها غيرته وعقده الناتجة عن الفوارق بينهم.
أما المراكيبى
بتحولاته فكان الأداء الصادق والراقى للنجم الراحل الأستاذ أحمد خليل الذى نجح فى
تقديم نموذج غريب لشخص مادى عملى لكنه قادر أن يكون رومانسيا وعاشقا وحالما
وفيلسوفا أيضا لو لزم الأمر.. لتحيا أسطورة الأميرة والمراكيبى.
تعليقات
إرسال تعليق