هنا القاهرة... عن الإذاعة المصرية في عيدها ال٨٨

هنا القاهرة... عن الإذاعة المصرية في عيدها ال٨٨ 

كتبت: علياء أسامة أيوب 


 

 

 ٣١ مايو .. تاريخ لم يكن ليخطئه قلبى فى زمن بعيد لا تتشابه فيه الأيام كنت أترقب فيه العبارة المهيبة هنا القاهرة تتردد بنفس الجلال الذى انطلقت به للمرة الأولى فى اليوم نفسه عام ١٩٣٤ إيذانا بافتتاح الإذاعة المصرية.

القلب أصدق من العين 

واحد من ديونى الأبدية لأمى أنها علقتنى قبل أن أعى بذلك الصندوق السحرى تنساب الأصوات الهادئة منه فتؤنسنا ليلا أو نهارا فكان الدرس الأول والباقى حتى اللحظة أن أتذوق الجمال بأذنى وأن القلب أصدق من العين وأن خيالى رسام بارع يمكنه تلوين الأصوات الهائمة فى الصندوق السحرى المغلق على فضاء كونى شاسع.

 

لم يكن عقلى الصغير ليستوعب كل ما يقال لكن أذنى تعلمت كيف تستمع وتستمتع وتتذوق فتميز لاحقا بين الغث والسمين. تعلمت أذنى كيف تحب اللغة العربية والإلقاء السليم فأحفظ مقدمات بعض البرامج وأرددها لاحقا تماما كما سمعت أميز بين الأصوات واللزمات وأقلد بعضهم أو ألقى الشعر على طريقة صاحبة "قطرات الندى" ذات الصوت الرائق الجميلة "سلوان محمود".

 

تعلمت أذنى كيف تتذوق الموسيقى العربية كلمة ولحنا وصوتا فأشيد بالغنوة الحلوة على طريقة "غواص بحر النغم" عمار الشريعي وأردد الله الله الله.

 

تعلمت أن أفخر بهويتى العربية التى أضاءت فجر التاريخ فى حكايات "كتاب عربى علم العالم". وأتذوق "لغتنا الجميلة" مع الشاعر فاروق شوشة وأتمسك مع طاهر أبوزيد بكوننا من "حماة اللغة العربية". استمعت للفترات الثقافية والصور الغنائية وحواديت أبلة فضيلة وعيلة مرزوق ونصائح أم الإذاعيين فى البرنامج النسائى الحقيقى والأقرب لمشكلات مجتمعنا "إلى ربات البيوت".

 الراديو بداية اليوم ونهايته

 وبدأت يومى فى الشتاء المدرسي بأدعية الصباح وقرآن السادسة صباحا وختمته فى الإجازة الصيفية بقرآن الفجر وهامت روحى "مع الذاكرين" يسبقه صوت محمد وفيق وهو يردد الآية الكريمة "ألا بذكر الله تطمئن القلوب". وقبل قرآن الثامنة مساء تعلقت بصوت "متولى درويش" وهو يقدم برنامجه مرددا الآية الكريمة "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة". 

 

تعلقت بالدراما الإذاعية حلقات مثيرة ممتعة على قصرها  وتعرفت على شخصيات رحلت من حوارات من القلب تعاد فى "ذكريات إذاعية" أو "تسجيلات من زمن فات".

عرفت شهادات شخصيات مرموقة فى كافة المجالات على عصورهم فى "شاهد على العصر" مع القدير عمر بطيشة وزرت مكتبات كثيرة مع المتألقة نادية صالح فى "زيارة لمكتبة فلان" واطلعنا على ما يدور في ذهن كتاب كبار مع نجوى الطوبى فى "إطلالة فى مفكرة كاتب".واستمتعت بمسرحيات نادرة فى "دعوة إذاعية إلى مسرحية" وأفلام فى "راديو سينما".  

 الإذاعة دوما سباقة

 وأتذكر كيف كانت الإذاعة سباقة فقدمت ما بات يعرف الآن بالكتب الصوتية من خلال برنامج "النص الأصلي" واهتمت بذوى الهمم فى برنامج "سوف أحيا" والمغتربين فى برنامج "أبناؤنا فى الخارج".

 

برامج وذكريات تتوالى على قلبى المشتاق لكل ما هو أصيل وجميل لأيام بسيطة ورائقة تدور فى خلفيتها برامج الإذاعة بأصوات روادها وأبنائها المميزة بلغتهم السليمة وإلقائهم الواضح الخاطف ولكل منهم بصمته الخاصة التى تمنحه شخصية لا تشبه الأخرى.

 أحلام طفلة

فى طفولتى تخيلت نفسي مرتين ضيفة فى الإذاعة مرة فى برنامج "حروف وأغنيات" مع عزة جنيدى واخترت أغنيات خمس  تبدأ بحروف أسمى وربما اربع إذا حذفنا الهمزة ومرة فى برنامج "مع الأدباء الشبان" الذى كانت تقدمه الإذاعية القديرة هدى العجيمى أتحدث عن مجموعة قصصية أصدرها يوما.

 

وفى طفولتى أيضا تجاهلت لدغتى شديدة الوضوح حينها ونفسي القصير ونوبات السعال وتخيلت نفسي دائما داخل الصندوق السحرى أردد خلف الميكرفون ..  هنا القاهرة!

                                                                                                                                                  #الحياة-حكايات 

تعليقات