فى ذكراها ال٤٧.. الست وأنا من سيرة الحب للأطلال

فى ذكراها ال٤٧.. الست وأنا من سيرة الحب للأطلال


 كتبت: علياء أسامة أيوب 



هل رأى الحب سكارى أقولها دون أن أعى معناها أرددها فقط وأنا أمسك فستان عروستى الصغيرة مقلدة أقاربى الأكبر وهم يقلدون المطربة القديمة التى آمن عقلى الطفل حينها أنها مازالت على قيد الحياة. 

ذكرى بعيدة من عمر ما قبل المدرسة لكنها الحلقة الأولى فى علاقتى بأم كلثوم المطربة التى يحبها الكبار لكنها لا تعجب الصغار أمثالى بأغنياتها الطويلة الصعبة وجملها المكررة فى رتابة تهدر وقت اللعب الثمين.

ومع الصباحات الثقيلة المتعجلة للحاق بباص المدرسة تسللت الست إلى أذنى وهى تغنى بإصرار مبهج كل يوم يا صباح الخير ياللى معانا فتأتينى تحيتها دفعة تشجيع للصغيرة الطامعة فى دقائق نوم إضافية. وربما ينتعش اليوم برائحة الزهور التى تدعونا الست لأن نشوفها ونتعلم أو بضحكة سخرية من النداء الخائف ابو الوفا ابو الوفا وأغنيتى بيرم والشيخ زكريا الفوازير وغنيلى شوى.

اللحظة الفاصلة 

وبعدما تجاوزت العاشرة بقليل وفى زمن الخيارات المحدودة أتأفف فى ملل من إطلالة أم كلثوم على شاشة التلفزيون وأعود لكراسة الرسم ألون ورداتى الصغيرات متجاهلة ما تقول لثوان تسبق اللحظة الفاصلة حين تردد (ياما عيون شاغلونى لكن ولا شغلونى إلا عيونك انت دول بس اللى خدونى) فيفتح شاعر الألف أغنية مرسى جميل عزيز بجناسه الناقص البديع والخاطف أبوابا سحرية تأخذنى بخفة لعالم الست. 

سيرة الحب أغنية خفيفة بمقاييس أغنيات كوكب الشرق لكنها على خفتها ساحرة تدغدغ المشاعر وتحتفظ بنصيبها فى السلطنة على طريقة الست فى مرحلة بطلها الملحن الشاب وقتها العبقرى دائما بليغ حمدي.

وعليه كانت سيرة الحب انطلاقة جيدة لاقتراب حذر من دنيا الكبار الذين يحبون أم كلثوم.

توالت الأغنيات وتزامنت مع المسلسل الأسطورى عن حياة كوكب الشرق الذى كتبه بانحياز عاشق محفوظ عبدالرحمن وأخرجته باحترافيتها ودقتها المدهشة انعام محمد على فزادنى انبهارا بشخصية أم كلثوم وذكائها الذى مكنها من الصمود عقودا طويلة كوكبا فريدا لا تدنو من مكانتها فنانة أخرى كما زادنى المسلسل اقترابا من صوتها الذى تعلقت به خصوصا وهى تغنى قصيدتى المفضلة "الأطلال" فأردد من جديد هل رأى الحب سكارى لكن عن فهم وحب واستمتاع.

أحب الأغنية وأربط كلماتها بما أدرسه فى الأدب عن إبراهيم ناجى وأطبق عليها خصائص مدرسة أبوللو الشعرية وأقارنها بقصيدته صخرة الملتقى المقررة علينا ضمن منهج اللغة العربية.

أتعلق بها أكثر فأضعها بعد السنين خلفية موسيقية لأولى قصصى المنشورة وأسميها "لا تقل شئنا" كما تقول الست فى نهايتها.

بالدمع ناجيته 

ومن سيرة الحب للأطلال لرائعتها "القلب يعشق كل جميل".. لم أفهم أبدا سر الأغنية التى تبكينى كل مرة ربما من جمالها الذى يعشقه كل قلب أو ربما هو الصدق الشديد الذى كتب به بيرم التونسي مشاعر حقيقية غمرته فى رحلة مقدسة وهو نفس الصدق الذى لحن به رياض السنباطي وغنت به أم كلثوم والصدق الذى أستمع به.. صدق المشتاق لخوض التجربة واستحضارها بالروح على أمل الزيارة والقبول يوما.

أو ربما السر أن الأغنية ليست دينية بمفهوم تقليدى حتى مطلعها لا يوحى بذلك لكن بيرم كتبها بلسان رجل رأى من مفاتن الدنيا الكثير فعشق قلبه كل جميل وعرف القليل من حكايات الحب الصادقة والتى لم تدم على صدقها إلا يومين.. رجل تشغله الحياة مثلنا قبل أن يكتشف حبا صادقا أبديا لا يعرف العتب أو اللوم مهما زلت القدم حبا لإله واحد تملأ أنواره الوجود فيلبى النداء ليصل إلى لحظة تجلى لا تملك حينها أى روح محبة إلا أن تستسلم لمناجاة ممزوجة بالدمع.

وفى الأغنية يحكى بيرم رحلته بين مكة والمدينة بين جبال النور وروضة من الجنة.. رحلة يتمنى لو ينالها كل الأحبة وأن يقبلهم الله ويقبله.. وبين كل مقطع ومقطع تتكرر الجملة .. بالدمع ناجيته.

٤٧ عاما مرت على رحيل أم كلثوم لكن صوتها باق يخطو رفق حكاياتنا وذكرياتنا وما نبنيه فى الخيال من صروح أحلام نسمعه بقلوبنا ونردد الله الله الله يا ست. 

تعليقات