نجيب محفوظ.. عوالم أديب نوبل بين الدراما والقراءة الشخصية
نجيب محفوظ..
عوالم أديب نوبل بين القراءة الشخصية والدراما
علياء أسامة أيوب
وسط حالة الاحتفاء الكبيرة الدائمة والمتكررة بالكاتب الكبير نجيب محفوظ نجد أن الكثير من الكتابات هى حكى عن التجربة الذاتية في الاقتراب من عوالمه الإبداعية واكتشافها والقراءة المختلفة من شخص لآخر لأعماله وهو الأمر الذي يمكن اعتباره انعكاسا لعمق وثراء وتفرد إنتاج أديب نوبل مع غزارة التحليل والنقد لأعماله وبالتالى لا يبقى أمام محبيه إلا الحديث عن ارتباطهم الخاص بإبداع وشخص نجيب محفوظ.
نجيب محفوظ.. قراءة شخصية متأخرة
والحقيقة أن
علاقتى بالكاتب الكبير بدأت بداية سيئة جدا سببها نفورى من الأفلام المأخوذة عن
ملحمته "الحرافيش" والتى تحولت فيما بعد لواحدة من أقرب أعماله إلى
قلبى. لكن التناول البسيط للرواية العميقة
واختزال الفكرة فى كونها صراع بين الفتوات واختزال أدب نجيب محفوظ فى فكرة الحارة
والفتوات إضافة للتناول السطحى لثلاثيته الشهيرة كان سببا فى حاجز نفسي بينى وبين
محاولة القراءة لأى من أعماله وهو الحاجز الذى استمر للأسف فترة أطول من اللازم
حتى قررت كسره لأكتشف بنفسي عالم نجيب محفوظ.
وكانت البداية مع "اللص والكلاب" وتوالت بعدها الأعمال لأفهم مدى
عمقها وتعدد مستويات قراءتها وفى نفس الوقت بساطة الحكاية واقترابها الشديد من
الناس ومحاكاتها للحياة وإخلاص الرجل للأفكار الإنسانية التى تتجاوز حدود الزمان
والمكان فتصنع الخلود للكاتب وأفكاره.
وإذا كنت قد تأخرت فى دخول دنيا نجيب محفوظ فأن تأتى متأخرا أفضل من ألا تأتى أبدا والأكيد أننى أصبحت واحدة من محبى وعشاق نجيب محفوظ كقارئة ومشروع كاتبة تترد فى ذهنها بعضا من عباراته الخالدة ومنها:
"وكأننا لا نعمل ولا نحب ولا نصادق إلا
فرارا من الزمن" .. الحرافيش الحكاية السابعة.
"وما المصادفة إلا قضاء مقنع" .... رادوبيس.
"والعبث هو فقدان المعنى، معنى أى شئ. انهيار
الإيمان، الإيمان بأى شئ. والسير فى الحياة بدافع الضرورة وحدها ودون اقتناع وبلا
أمل حقيقى"... ثرثرة فوق النيل.
“فقال له قلبه : لا تجزع فقد ينفتح الباب ذات
يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الاطفال وطموح الملائكة”.. ختام رواية الحرافيش.
دائما ما كانت عوالم نجيب محفوظ الثرية جدا عامل جذب لصناع الدراما لتقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية مأخوذة عن كتاباته سواء روايات أو قصص قصيرة. ومع غزارة إنتاج أديب نوبل تنوعت الأعمال الدرامية التى قدمت بمعالجات مختلفة ومتعددة ومتفاوتة فى مستوى الجودة والاقتراب أو البعد عن فكر وفلسفة نجيب محفوظ الذى ترك الحرية الكاملة لكل فنان لتقديم رؤيته الخاصة لكنه ومن البداية أعلن أنه مسئول فقط عما يكتب.
وكان من الملفت
تكرار تقديم بعض الروايات مع اختلاف وسيلة عرضها فمثلا بعد سنوات من عرض أفلام
الثلاثية أعيد تقديمها كمسلسل تليفزيونى والحرافيش قدمت كحلقات إذاعية وكمجموعة
أفلام حكى كل فيلم منهم واحدة من حكايات الرواية وكان من الغريب تجاوز هذه الأفلام
للحكاية الاولى حكاية عاشور الناجى التى قدمها فى أواخر التسعينات نور الشريف في
مسلسل تليفزيونى.
شادية ونور الشريف.. الحضور الأبرز
والحقيقة أن الفنان
المثقف الكبير نور الشريف كان من أكتر الممثلين الذين قدموا إبداعات نجيب محفوظ في
الدراما بداية من الثلاثية التى شهدت انطلاقه الفنى مرورا بالسراب والكرنك
والمطارد وأصدقاء الشيطان والشيطان يعظ وقلب الليل ومسلسل الحرافيش وغيرها.
أيضا شادية كان
لها نصيب كبير في أعمال نجيب محفوظ فقدمت ميرامار واللص والكلاب وزقاق المدق وأكد
الكاتب الكبير وهو واحد من محبى صوت شادية دائما أنها أكثر ممثلة عبرت عن الشخصيات
مثلما تخيلها.
وحتى اللحظة
مازالت كتابات نجيب محفوظ قادرة على أن تثير خيال صناع الدراما وأن تكون مصدر غنى لتقديم أعمال متميزة مثلما
حدث قبل سنوات قليلة مع صناع مسلسل أفراح القبة الذين انطلقوا من رواية بالاسم
نفسه لتقديم رؤية جديدة تمزج شخصيات متنوعة من عوالم نجيب محفوظ.
ومن الاخبار
الرائعة أن الكاتبة مريم نعوم تحضر حاليا مع المخرج تامر محسن لعمل ضخم يحكى تاريخ
القاهرة ويمزج بين خمس روايات لنجيب محفوظ.
ولم يتوقف تأثير
نجيب محفوظ عند حدود الدراما العربية لكنها حفزت صناع الدراما العالمية أيضا فعلى
سبيل المثال قدمت رواية زقاق المدق أكثر من مرة من بينهم فيلم مكسيكى بطولة سلمى
حايك.
محسن زايد والبصمة المختلفة
أخيرا ومع تعدد
الأعمال الدرامية المأخوذة عن كتابات نجيب محفوظ وإعجابى ببعضها ونفورى من بعضها
يظل محسن زايد فى رأيي هو افضل من حول كتابات محفوظ للدراما وأن الأعمال التى كتب
لها السيناريو والحوار كانت الأقرب لرؤية محفوظ ذاته مع الاحتفاظ ببصمة زايد وفى
الوقت نفسه تقديمها بمستوى لائق من العمق ومن الاحترافية على الصعيد الفنى يحترم
المشاهد ويحترم أيضا اسم أديب نوبل. فمثلا أعاد محسن زايد تقديم ثلاثية محفوظ
الشهيرة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية فى مسلسل تليفزيونى أخرجه يوسف مرزوق و
قام ببطولته العملاق محمود مرسي والقديرة هدى سلطان وكتفضيل شخصى يعجبنى المسلسل
أكثر من الفيلم. أيضا كتب محسن زايد السيناريو والحوار للفيلم المتميز قلب الليل
إخراج المبدع عاطف الطيب.
ومع تعدد
الإبداعات يبقى حديث الصباح والمساء هو العمل الدرامى الأعظم والأجمل من بين كل ما
كتب محسن زايد وكل ما قدم من أعمال عن كتابات نجيب محفوظ.
تعليقات
إرسال تعليق